مازالت تقترب من الرحيل

خط الأفق بلون الدم... قرص الشمس ينكمش ببطء... رأس ترتفع نحو السماء... ابتسامة باهتة ترتسم على وجهه الصغير... لمعة فى عينيه...

- امتى راح يعاود بابا...؟!!

سؤال ردده للمرة الخامسة هذا اليوم... لم تدرى بماذا تجيبه... لم تشأ أن تتركه فى حيرته...

= روح العب... لما الشمس تقرب تروح راح يعاود

تركها وأسرع خارجاً إلى الحديقة ليلعب وهو ينظر بين الحين والآخر إلى قرص الشمس فى السماء
اشتعلت حيرتها... كانت تدرك أنها تراوغ وليدها... لم تكن تعلم حقاً متى يعود... أخبرها ليلاً بينما كانا سوياً فى الفراش أنه سيبحث غداً عن وسيلة للرحيل... لقد مل الانتظار... خزين الدار أوشك على النفاذ... الدمار يحيط بهم من كل اتجاه... الطرق مقطوعة... سيذهب ويبحث عمن يقبل أخذهما معه من القوافل الطبية أو قوافل الإغاثة التى تأتى لتقديم العون... أو يبحث عن أى وسيلة أخرى... أكد لها أنه لن يعود إلا بوسيلة الرحيل...
التزمت الصمت... لم يكن بيديها ما تقدمه له... لم تجد رغبة فى الحديث... نام بعدما أضناهما السهر

فى الصباح الباكر استيقظت ولم يكن هناك... الفراش بارد... نبرة اليأس التى لمستها فى حديثه أقلقتها... أعباء المنزل شغلتها... وهاهو وليدها الصغير يعيد إليها حديثه... يزيد من قلقها بإلحاحه الزائد فى السؤال عن موعد عودة أبيه...!!!

خط الأفق بلون الدم... قرص الشمس ينكمش تدريجياً... يترك الصغير لعبته... ينهض... يمسح يديه الصغيره فى بنطاله القصير
يدخل المنزل... ينادى على أمه بإلحاح أشد... نبرة صوته تحمل قلق زائد

- الشمس قربت تروح والبابا ما عاود...؟!!
لم تكن تملك ما ترد به عليه... ضمته فى حضنها... أخذت تقبل رأسه... الوقت يمر... شعرت وهى تحتضنه أنها لا تحتضن وليدها الصغير... ما حدث حوله رجلاً كبيراً... رجلاً تلوذ إليه... تحتمى به من الغدر... القبح... أحست فى تلك الضمة بأن العمر يمر

أزيز يملأ السماء... هدير كالرعد... صوت انفجار يصم الآذان... يجعلك لا تسمع صوت الصرخات... نيران ودمار...
اقترب قليلاً لترى أوضح... غبار يحتل الهواء... يحجب الرؤية... تحتاج لبصيرة أنقى وقليل من الصبر لتدرك الحقيقة... حطام... وسط الحطام سترى وجه طفل صغير... كبير... طفل ينام بهدوء كملاك... ابتسامة بريئة متيبسة على وجهه... وجه يحلم... ينتظر...
والشمس مازالت...
تقترب من الرحيل...!!! تمت.