مازالت تقترب من الرحيل

خط الأفق بلون الدم... قرص الشمس ينكمش ببطء... رأس ترتفع نحو السماء... ابتسامة باهتة ترتسم على وجهه الصغير... لمعة فى عينيه...

- امتى راح يعاود بابا...؟!!

سؤال ردده للمرة الخامسة هذا اليوم... لم تدرى بماذا تجيبه... لم تشأ أن تتركه فى حيرته...

= روح العب... لما الشمس تقرب تروح راح يعاود

تركها وأسرع خارجاً إلى الحديقة ليلعب وهو ينظر بين الحين والآخر إلى قرص الشمس فى السماء
اشتعلت حيرتها... كانت تدرك أنها تراوغ وليدها... لم تكن تعلم حقاً متى يعود... أخبرها ليلاً بينما كانا سوياً فى الفراش أنه سيبحث غداً عن وسيلة للرحيل... لقد مل الانتظار... خزين الدار أوشك على النفاذ... الدمار يحيط بهم من كل اتجاه... الطرق مقطوعة... سيذهب ويبحث عمن يقبل أخذهما معه من القوافل الطبية أو قوافل الإغاثة التى تأتى لتقديم العون... أو يبحث عن أى وسيلة أخرى... أكد لها أنه لن يعود إلا بوسيلة الرحيل...
التزمت الصمت... لم يكن بيديها ما تقدمه له... لم تجد رغبة فى الحديث... نام بعدما أضناهما السهر

فى الصباح الباكر استيقظت ولم يكن هناك... الفراش بارد... نبرة اليأس التى لمستها فى حديثه أقلقتها... أعباء المنزل شغلتها... وهاهو وليدها الصغير يعيد إليها حديثه... يزيد من قلقها بإلحاحه الزائد فى السؤال عن موعد عودة أبيه...!!!

خط الأفق بلون الدم... قرص الشمس ينكمش تدريجياً... يترك الصغير لعبته... ينهض... يمسح يديه الصغيره فى بنطاله القصير
يدخل المنزل... ينادى على أمه بإلحاح أشد... نبرة صوته تحمل قلق زائد

- الشمس قربت تروح والبابا ما عاود...؟!!
لم تكن تملك ما ترد به عليه... ضمته فى حضنها... أخذت تقبل رأسه... الوقت يمر... شعرت وهى تحتضنه أنها لا تحتضن وليدها الصغير... ما حدث حوله رجلاً كبيراً... رجلاً تلوذ إليه... تحتمى به من الغدر... القبح... أحست فى تلك الضمة بأن العمر يمر

أزيز يملأ السماء... هدير كالرعد... صوت انفجار يصم الآذان... يجعلك لا تسمع صوت الصرخات... نيران ودمار...
اقترب قليلاً لترى أوضح... غبار يحتل الهواء... يحجب الرؤية... تحتاج لبصيرة أنقى وقليل من الصبر لتدرك الحقيقة... حطام... وسط الحطام سترى وجه طفل صغير... كبير... طفل ينام بهدوء كملاك... ابتسامة بريئة متيبسة على وجهه... وجه يحلم... ينتظر...
والشمس مازالت...
تقترب من الرحيل...!!! تمت.

دماء ......دموع



ارتعد .... وارتعد ....منذ ان جرى بيننا ذاك الحوار فى تلك الليله وانا ارتعد .... جاهدت كثيرا حتى لاتظهر دموعى .... نجحت بأعجوبه فى كتمانها رغم انها كانت تنساب بحورا داخلى ....... وجهى خيبه الله فضحنى ..... بان عليه سريعا انى اخاف من حديثه هذا .... ورغم انه اقسم لى مرارا وتكرارا انه فقط يضع نفسه فى تلك الحاله .... تستهويه .... فقط يفكر ولن ينوى مهما حدث التنفيذ ...... ورغم انه ادار دفه الحوار بعيدا عن تلك الجهه وصرنا نتحدث عن اشياء اخرى هدأتنى قليلا .... الا اننى ظللت وقتها ارتعد ..... والان وحين تذكرت حديثه مره اخرى ..... خفت عليه كثيرا ..... وبدات ارتعد .....

********************

اجلس وحدى فى ظلام صامت منذ الليله الماضيه ..... ومازلت على تلك الحاله حتى الان .... افكر منذ امس فى نفس الفكره ..... احاول قدر الامكان ان اسيطر على انفعالاتى حتى لا يجرفنى التيار واقدم على فعلتى الاثمه .... اشعل ضوء الغرفه واغلقه مرارا وتكرارا حتى اصابنى الملل ...... حاله اكتئاب .... ايقن ذلك ولا انكره.... تختلف كثيرا عن مراتى السابقه ..... رغم كل ماشعرت به ........ الا اننى الان مختلف ....... الصوره قاتمه اللون بلا اى خطوط بيضاء ..... فكرت كثيرا فى الانتحار .... اوقات من اجل التفكير ..... واوقات اخرى من شده ماكنت امر به .... الامر اليوم تعدى من مجرد التفكير ..... اشجع قرار يتخذه شخص مجنون ..... كم من المرات تفوهت بها ...... انا مجنون .... لاكننى فى ذاك الامر لم اكن ابدا شجاع .....

اجلس الان فى ضوء شمعه قاربت على الفناء ..... اضع امامى سلاح ابى الذى احتفظ به من بعد وفاته ...... ضوء الشمعه يسقط على جزء واحد منه ويكسبه احساسا مثيرا بالرهبه ..... يسقط على جانب وجهى المظلم .... ويترك جانب اخر فى الظلام ...... كيف يجرؤ احدا على ان يفعلها ...... حرمانيتها لم تشغلى فكرى يوما ..... لا انكر انها كذلك .... لكنى اراها من زاويه اخرى دوما ...... كيف يتخلص ايا كان من ماديته مره واحده ... اى شجاعه تلك التى واتته وجعلته يفعلها ...... اى نزق من الجنون يدفعه الى ان يتلاشى ..... يقبل بكل سهوله الى عالم يعلم انه مهما شطح بخياله لن يدرك اى من ابعاده ...... يفقد احساس الحياه وماديه الوجود

لالالالالالالالالا ..... استعيذ بربى من ذاك الوسواس ....... اقاوم نفسى بشده ....... اقوم وابتعد ......... اعود وأتأمل ذاك الجسم المادى الصلد الموضوع امامى .... لايشعر بشئ مما انا فيه .... لايشعراحدا بما انا فيه .... يقينا انا سبب كبير فى كل ما انا فيه ..... اخطاء فى الماضى ..... نتائج منطقيه ..... لا الوم احدا ..... ولا حتى الوم نفسى ....... الصداع يتملكنى ...... يكاد يفجر رأسى ...... اغمض عينيى ..... احاول بما تبقى لى من مقاومتى المنهاره ان اسيطر على نفسى خلِّصني بفضلك يا أبانا الذي في السماوات ,تقدَّس اسمك,من حرقة الذكريات العاصفات بقلبي .. هَبني يا إلهي ميلاداً جديداً أعيشُ به من غير ذاكرة ........ (1) ضوءالشمعه يخفت ..... تكاد ان تتلاشى ..... ترتعش يداى .... احركها ببطء نحو مصيرى ..... صوت يتردد فى اذنى بلا توقف ..... افكارى كلها تتلاشى ...... صوت مكتوم .... دخان متتطاير .... دماء متناثره فى المكان ...... يتلاشى .... ويتلاشى ضوء الشمعه .... ويعاود الظلام الصامت احتلال المكان

******************

ارتعد .... وارتعد ...... لا اقاوم دموعى ولا امنعها من الجريان ..... اكاد اجن من هول الخبر ..... اصلى من اجله باكيه ....... دموع منثابه لن تعيده الى الوجود بعد ان تناثرت الدماء

تمت ...

(1) من روايه عزازيل للكاتب يوسف زيدان

حاله هذيان



لاادرى ما الذى يحدث ليا الان .......رعشه تهز اوصالى رغم حراره الجو ..... حمى ... فكره واحده تسيطر على ذهنى .... ارغب فى الكتابه ..... ولا شئ اخر .... ماذا سأكتب لا ادرى .....؟؟!! حاولت جاهدا اخراج تلك الفكره من ذهنى ومحاوله علاج حالتى بلا جدوى ..... لم اهدأ حتى اخذت ابحث حولى فى حجره النوم عن اى شئ يصلح للكتابه .... اى قلم وبعض الاوراق .... لاشئ ..... لابد ان اضع بعد ذلك بعضا منها من اجل اى شئ طارئ ..... اخذت اسير وانا اجر قدماى جرا نحو حجره المكتب ..... اشعلت الاضواء ..... ارتميت على اقرب كرسى ..... امسكت القلم وانا مازلت لا ادرى ماذا سأكتب ......

اشعر بالحر الشديد .....احتاج الى مزيد من الهواء ..... تماسكت متغالبا على الامى ... امسكت الاوراق والقلم ...وجرجرت نفسى بصعوبه نحو الصاله ..... فتحت انافذه على مصراعيها تاركا هواء الفجر البارد يدخل بشده .... جلست متهاويا على الكنبه وانا مازلت افكر ماذا سأكتب ....

حاله يأس ... احباط ..... استسلام ..... فل اطلق عليها اى اسم ..... صراع داخلى محتدم ..... سخط على كل شئ .... نفسى قبل الجميع .... يدى بدأت تتحرك ع الورق ......سأتركها تكتب ما تشاء ..... عيناى زائغتان ..... الافكار تتسارع ..... غضب عارم ... رغبه محمومه فى التدمير .... عنف يحتلنى ..... حركه يدى تتسارع ...رأسى تدور .... اللون الاسود يملأ الصوره ...

افقت لأجد نفسى نائما فى سريرى ..... لا ادرى ماذا حدث ولا كيف وصلت الى هنا ......!!!! اسبوع مر وانا اعانى الحمى .....اخطرف بكلام ليس له معنى .... كما اخبرتنى سعاد خادمتى العجوز التى كانت بجوارى طوال تلك المده تمرضنى وتلبى احتياجاتى .....

رغم اننى تماثلت للشفاء من الحمى ..... الا اننى لم ابرأمن تلك الحاله ..... بل زادت اثارها بشكل ملحوظ ..... صرت ادور فى الطرقات بلا اى هدف .... ليالى امضيتها اسير وانا افكر وافكر حتى يقهرنى التعب فاعود منهكا لانام ..... كم اعشق ليل القاهره ......!!!

فى احدى تلك الليالى ..... رأيتها ..... فتاه شابه .... رداء رخيص ..... جسد فائر لا يفلح ردائها فى كبح جماحه بل يزيد من ابراز مفاتنه .... اصباغ مبعثره تلطخ بها وجهها ....عينان جريئتان تمتلأ بالرغبه ..... تقف مستنده على احدى السيارات فى شارع شبه مظلم ...... وقفت قليلا اراقبها من بعيد ..... وانا افكر ..... اهذا ما كنت ابحث عنه ..... ذاك النوع الرخيص من المتعه .... عدت ليلتها الى منزلى مبكرا ... وانا لم احسم ذاك الصراع بعد ....

يومان مرا عليا كالدهر ... لم اغادر فيهما غرفتى ..... افكر .... الافكار كلها تدور فى دائره واحده ..... لماذا تاهت الدنيا من تحت قدمى بعد ان فارقتها ....اهى صدمه حب مفقود .... ام مجرد ثوره رجل فشل فى نيل جسد امرأه ... اراغب انا حقا فى ذاك النوع الرخيص من المتعه ام انها محاوله منى لاثبات ذكورتى ..... قدرتى على اجتذابهن ...... ام انها مجرد محاوله انتقام ..... تتحكم فيها رغبه شارده ......قبل انتهاء اليوم الثالث حسمت القرار .....

حل المساء ... غادرت منزلى واخذت اسير فى نفس المكان .... لم تكن هي هناك ..... كانت هناك اخرى .... جسد اخر لم يفلح رداءه الرخيص فى كبح جماح ثورته .... لم يستغرق الامر معها كثيرا ..... سياره تاكسى تطوى الطريق .... اجلس بجوارها على الكرسى الخلفى ..... لا استشعر حراره جسدها الدافئ .... لا اسمع صوت تنهداتها الممتلئه بالرغبه ...... صوره واحده اراها امام عينى .... وجه واحد والاف الاجساد ... اراها فى كل مكان نمر عليه ..... اكاد اجن ..

التفت نحو التى تجلس بجوارى ..... ارغب فى ان الوذ بها من تلك التى تطاردنى ..... ارها تجلس بجوارى ..... ماذا يحدث لى ..... اين التى كانت هنا .... اغمض عينيى وافتحها مرات متتاليه .... اتامل شكلها مجددا .... اوقف التاكسى فجأه ونحن لم نصل بعد .... انزل وانا اسحبها من يديها بعيدا ...... اخرج من جيبى حفنه اوراق ماليه ادسها فى يديها واطلب منها الرحيل .....اسير وانا لا ارى الطريق امامى .... مازلت الصوره السابقه تحتل كل مجال رؤيتى ..... اصل الى المنزل وانا لا ادرى كيف ..... اصعد السلم متساندا على الجدار ..... ادخل شقتى مترنحا .... اشعر بالحر الشديد ..... حمى .... يبدو انها عاودتنى مجددا .... اصطدم بشئ وابعثر بعد الاوراق .... التقطها وانا امنع نفسى من السقوط بصعوبه ..... احاول ان اقرأ ما هو مكتوب .... عناى زائغتان ..... كيف نسيت تلك الورقه كل هذه المده ...... ؟!! الحر يشتد ... حرارتى ترتفع بسرعه ... اميز بصعوبه بعض الكلمات .... كلمات شوق تبترها عبارات غاضبه ... اسير مترنحا نحو غرفه النوم وانا لا اميز الطريق ..... اصطدم بكل شئ فى طريقى ..... حالتى تسوء .... احاول تجميع الاحرف المتناثره امام عينى لأقرأ ما هو مكتوب ..... تدور الدنيا من حولى ..... قدماى تلتفان حول بعضهما .... افقد توازنى .....اراها حولى فى كل مكان ..... ابتسامتها مرسومه على شفتيها ..... اسقط ...... تسقط من يدى الورقه رغم محاولاتى المستميته فى التشبث بها....نائما على الارض .... بجوارى يتناثر كل شئ .... وورقه تحتوى كلمات مبتوره .... اللون الاسود يحتل جوانب الصوره ببطء متغلبا عليها .... وعلى حاله هذيان .....

تمت ...

حبات العقد ..

كانت تقف امام المرأه ..... ترتب اغراضها القليله الموضوعه امامها .... عينيها تقعان على علبه الحلى القديمه ... حركت الكرسى قليلا وجلست .... امسكت العلبه بيديها ... ابتسامه خافته ترتسم على شفتيها ....
امها تسحبها من يديها فى ليله عرسها من بين صديقاتها ... تجيب تساؤلاتها المتتاليه عن السبب بوجود تقليد عائلى خاص لابد ان ينفذ بينهما الان .... تدفعها امها دفعا نحو حجره نومها ....تتحرك الام نحو الدولاب ... وتفتح ببطء ضلفته دائمه الغلق ... تسحب منها شيئا بسرعه قبل ان تتمكن هى من ملاحظه ما يكون .... تستدير وتتحرك نحوها ببطء .... وحينما تواجهها تخرج من خلف ظهرها علبه حلى قديمه ... وتجيب التساؤل المرسوم فى عينيها قبل ان تنطق به .... هديه من جدتها لامها فى ليله عرسها ... وصيه ولابد ان تنفذ ..ز وكما تهديها به اليوم عليها ان تحفظه وتهديه لابنتها الكبرى فى ليله زفافها وهكذا ... امسكتها بين يديها علبه حلى صغيره قديمه الطراز محلاه ببعض النقوش الذهبيه ... فتحتها ... كانت تحتوى على بعض قطع الحلى الذهبيه البسيطه ... يتوسطها عقد رائع اخبرتها امها بينما تديرها لتحكم غلق محبسه على رقبتها انه هديه اخر عيد زفاف بين جدها وجدتها
تنظر قليلا للعلبه ... فقدت بعضا من بريقها القديم ... كم عمرها ... سؤال داهمها فجأه ...؟!!! فتحتها .... نفس الحلى القديمه .... شبكتها الذهبيه التى لم تعد تلبسها ولا حتى ف المناسبات ..... بعض الحلى الجديده هدايا من زوجها فى مناسبات عده ... عقد امها ... عقد اخر ....
علبه صغيره محكمه اللف ببعض شرائط الزينه ... تمتد بها يد زوجها ببطء امام عينيها ... ذكرى زفافها الاولى .... هديه رائعه ... عقد مابين الغالى والرخيص ....ابتسامه على شفتيه يحاول ان يعتذر بها عما حدث ...
يدها تحكم القبض على العقد الاخر .... عقد زوجها ... تتوتر حركات يديها ... يتعكر صفاء وجهها الرقيق رغم سنوات العمر الماضيه بلا عوده .... تزوغ عيناها ... تحاول جاهده منع تلك الذكريات السوداء من العوده اليها من جديد .... لم تكن قد برأت من اثارها بشكل نهائى بعد ....دموع تترقرق فى عينيها .... يزداد توتر حركات يديها .... ترتفع انفاسها .... تجرى دموعها هاربه رغم محاولاتها المستميته لمنعها ... تتحول انفاسها الى نشيج .... تتسارع حركاتها ... يقطع الخيط ... وتتساقط .......
حبات العقد
تمت .

فلسفه اموات ... مسرحيه قصيره

المشهد الأول
الكاهن الأعظم يدخل ويتحرك وتبدو عليه مظاهر القلق
الكاهن الأعظم: أين ذهب هذا اللعين؟؟
مساعد الكاهن يدخل مسرعاً
مساعد الكاهن: سيدى العظيم.. آسف على التأخير
الكاهن الأعظم: لابد من إيجاد حل.. الناس تغلى.. أخشى أن تحدث كارثة.. انهيار التمثال من فوق الجبل أصبح وشيكاً ولابد من تدعيم قاعدته سريعاً
مساعد الكاهن: سيدى.. إننى لا أرى سوى حل واحد
الكاهن الأعظم: أعلم.. ستخبرنى مجدداً أن نبحث عن متطوع لإنقاذ التمثال

راوى: قانون قديم " النار مصير كل من يلمس تمثال الإلهة فاتيا "
الكاهن الأعظم: لن نجد من يقبل.. الجميع يعلم خطورة لمس تمثال الإلهة فاتيا
راوى: قانون قديم " النار مصير كل من يهرب جبناً من مهمة كهنوتية "
علامات التفكير تبدو على وجه مساعد الكاهن.. وفجأة.. يلتفت نحو الكاهن الأعظم وابتسامة خبيثة تظهر على وجهه
مساعد الكاهن: سيدى العظيم.. فلنجعلها مهمة كهنوتية إذاً.. نكلف أحداً بالمهمة فلا يتمكن من الرفض
الكاهن الأعظم: أحداً لا يستطيع الرفض.. أحداً بعينه
يقتربان من بعضهما.. ينظران لبعضهما.. ويبتسمان ابتسامة خبيثة...
ستار.
المشهد الثانى
الكاهن الأعظم ومساعده يقفان مع شاب فى مقتبل العمر فى ديكور منزل بسيط
الكاهن الأعظم: عزيزى مارك.. اعلم أن بين يديك إنقاذنا جميعاً
مساعد الكاهن: أجل مارك.. إن إنقاذ تمثال الإلهه من الدمار يرحمنا جميعاً من غضبها
مارك: غضبها..؟؟!! ( بسخرية )
الكاهن الأعظم: عزيزى مارك.. دعنا مما تعتقد الآن.. إنك أقدر الناس على تنفيذ تلك المهمة
مارك: سيدى الكاهن الأعظم.. لك منى كل التقدير والاحترام ولكن.. أرجوك فلتعفنى من تلك المهمة.. إنك تطلب منى الانتحار
الكاهن الأعظم: الانتحار؟؟! من قال لك هذا ( وهو ينظر نحو مساعده )
مارك: أجل.. لا تنسى أننى كنت أدرس معكم فى المعبد
راوى: قانون قديم" النار مصير كل من يلمس تمثال الإلهة فاتيا"
مارك: إنك تطلب منى إنقاذ تمثالكم وإلقاء نفسى فى النار
الكاهن الأعظم: عزيزى مارك.. دعنا نكون صريحين.. أنا أعلم أنك تركت المعبد صغيراً.. وأعلم كذلك أفكارك الشاذة ولكن لو شاع الخبر.. ستجد هناك مئات من الناس تريد قتلك
مارك: وليكن.. إنه أهون ألف مرة من الدفاع عن أشياء ليس لها قيمة
مساعد الكاهن: ليس لها قيمة؟؟! ( بغضب ظاهر ) احذر مارك.. إنك تسب الإلهة أمام كاهنها الأعظم
الكاهن الأعظم: دعه.. فليفعل ما يشاء.. عزيزى مارك.. أمامك مهلة ثلاث ليال قبل الرد، واحذر.. إنها مهمة كهنوتية
راوى: قانون قديم " النار مصير كل من يهرب جبناً من مهمة كهنوتية "
ظــــــــلام
المشهد الثالث
مارك نائم فى حجرته يحلم.. ( موسيقى.. صوت انهيار )
سلفيا تنادى: مارك.. مارك
تدخل المسرح
سلفيا: مارك.. ماذا تفعل؟!
مارك ينتبه من غفوته
مارك: لا شئ حبيبتى.. أين كنت منذ الصباح
سلفيا: عند أختى.. ألم أخبرك أنها وضعت مولودها أمس
مارك: أجل.. أجل.. يبدو أن ذهنى ليس صافياً لأتذكر.. اعذرينى
سلفيا: عزيزى.. أصحيح أن كاهننا الأعظم كان هنا اليوم ؟
مارك: عزيزتى.. البلدة كلها تعرف هذا
سلفيا: ولكنها لا تعلم سر تلك الزيارة ( تقترب منه بدلال ).. ستخبرنى أليس كذلك ؟
مارك: أخاف أن أقول لك فتجزعين
سلفيا تظهر عليها علامات القلق الشديد
سلفيا: ماذا فى زيارة كاهننا الأعظم يجزعنى.. أليس المفروض أن زيارته تبارك دارنا ؟!
مارك: تبارك دارنا ؟!! .. ( مارك يضحك )
سلفيا: مارك.. ماذا يضحكك.. أرجوك.. أخبرنى
لحظات صمت
سلفيا: مارك.. أخبرنى.. مارك بحق إلهتنا العظيمة أخبرنى
مارك: لقد كلفنى بمهمة إنقاذ الإلهة فاتيا من الدمار
تتهلل أسارير سلفيا وتتحرك على المسرح ببهجة
سلفيا: إذاً سيصبح زوجى أشهر رجل فى البلاد بعد كاهننا الأعظم
راوى: قانون قديم " النار مصير كل من يلمس تمثال الإلهة فاتيا"
قانون قديم "النار مصير كل من يهرب جبناً من مهمة كهنوتية"
سلفيا تضطرب وتقترب من مارك
سلفيا: مارك.. أصحيح ما تقول.. عزيزى أنت تعلم أننى لا أطيق الحياة بدونك.. مارك.. أخبرنى ماذا ستفعل
مارك: هذا ما كنت أفكر فيه حينما دخلت عزيزتى
سلفيا: مارك.. فليذهب الكاهن الأعظم إلى الجحيم.. فلتذهب فاتيا إلى الجحيم.. فليذهبون جميعاً.. ولتبقى أنت بجوارى.. أجل.. تحمينى.. تدفئنى.. تحبنى.. مارك فلنترك لهم إلهتهم ولنرحل بعيداً
مارك: اهدأى عزيزتى.. إنك أكثر الناس معرفة بزوجك.. لابد من حل.. حنى ولو على حسابى.. إن حياتى ليست بذات قيمة طالما أن الهدف سام.. ولكن أ إنقاذ فاتيا هدف سام؟!!
سلفيا: ماذا تقصد..؟! إننى لا أفهمك
مارك: أقصد أننى لا أريد الموت من أجل فاتيا.. كيف تكون فاتيا إلهة وقد كانت بشراً من قبل.. إذاً فلماذا لا أكون أنا أيضاً إلهاً أو حتى تكونين أنت
أى إله هذا الذى لا يستطيع حماية نفسه من خطر بسيط حبيبتى.. إن القادر على خلقنا، وخلق الكون من حولنا، وخلق الحب فى نفوسنا أقد على حماية نفسه
سلفيا: مارك.. إنك تتحدث اليوم حديثاً خطيراً..
مارك: أعلم حبيبتى ولكن لم يبق لى فى تلك الدنيا سوى ليلتين.. لابد أن يفيق الناس.. لابد أن تتحرر عقولهم
سلفيا: ماذا تقصد؟!.. إننى أشم من وراء كلامك رائحة غريبة.. أتقصد إنك...
مارك ( يقاطعها ): أجل عزيزتى.. إننى.. ولكن لابد أن أشعر أننى أضحى من أجل شئ مهم.. لو كان ثمن حريتكم هو الموت.. فلأمت إذاً
سلفيا: لا.. عزيزى إن الأسر أهون على من فقدانك
مارك: فلتهدأى حبيبتى.. إننى شأظل بجوارك.. روحى ستهديك نحو الطريق.. انظرى معى نحو الهدف ولتعيشى من بعدى حياتك حرة بين عقول أحرار
سلفيا: مارك.. فلتبق عقولنا فى أسرها.. ولتبق أنت بجوارى
مارك يخرج
سلفيا (تصرخ): مارك.. عد إلى حبيبى.. مارك فلنهرب.. مارك.. سحقاً لهم.. سحقاً لعقولهم.. سحقاً لكهنتهم.. سحقاً لفاتيا
( وتتهاوى على الأرض )
ستــــــار
المشهد الرابع
إضاءة على خلفية المشهد الأول
الكاهن الأعظم يدخل ويبدأ بتلاوة تراتيل دينية
مساعد الكاهن يدخل
مساعد الكاهن: سيدى العظيم.. زوجة مارك تريد مقابلتك
الكاهن الأعظم: ماذا..؟! سلفيا.. ماذا تريد؟!
مساعد الكاهن: لا أدرى يا سيدى
الكاهن الأعظم: أدخلها.. لنرى ماذا هنالك
سلفيا تدخل
سلفيا: سيدى الكاهن الأعظم.. لك كل الاحترام
الكاهن الأعظم: تفضلى عزيزتى.. لى كثير من الزمن لم أرك
سلفيا: دعنا من ذلك الآن سيدى.. إننى أريد منك أمراً
الكاهن الأعظم: تفضلى عزيزتى.. اطلبى ما تشائين
سلفيا: سيدى العظيم.. بحق فاتيا.. إلهتنا العظيمة.. أرجوك فلتعف مارك من هذه المهمة
الكاهن الأعظم: مارك..؟! (بتعجب) أطلب منك هو ذلك ؟!
سلفيا: لا.. أنت تعلم أنه يقبل الموت بصدر رحب ولا يقبل أن أفعل ذلك، لقد أتيت من تلقاء نفسى.. إننى لا أطيق الحياة بدونه
الكاهن الأعظم: إن موت مارك يمنحنا جميعاً الحياة
سلفيا: اتركه.. وسأجعله أشد الناس إيماناً بإلهتنا العظيمة فاتيا
الكاهن الأعظم: إن موته أشد فائدة من عبادته لفاتيا
سلفيا: اتركه من أجلى وسنرحل بعيداً
الكاهن الأعظم: سلفيا.. اطلبى ما تشائين غير هذا الأمر.. مصلحة الإلهة فى موت مارك
سلفيا (بصوت غاضب): أى إلهة تلك التى تكون مصلحتها بموت البشر.. الإلهة تحكم البشر.. تدبر أمرهم.. تنشر الخير والحب فى نفوسهم.. لا أن تستبيح دمائهم
الكاهن الأعظم: احذرى سلفيا.. حديثك أصبح خطر عليك أنت أيضاً
سلفيا: فلتفعل ما تريد.. لم أعد أبه لشئ .. بعد مارك.. يتساوى كل شئ فى الدنيا أمامى
يدخل مساعد الكاهن إلى الخشبة.. تبدو على ملامحه قلق شديد وخوف
مساعد الكاهن: سيدى الكاهن.. كارثة.. مارك يجتمع بالناس.. يحرضهم على ترك عبادة إلهتنا المقدسة فاتيا
الكاهن الأعظم يزداد غضباً ويوجه حديثه نحو سلفيا.. يمسكها من يديها ويهزها
الكاهن الأعظم: أرأيت ماذا فعل هذا اللعين.. إن الموت لا يكفينى الآن لكى أطفئ ما يجول بصدرى تجاهه
يلقيها بعيداً.. ينظر إليها نظرة غضب شديدة ويخرج
سلفيا على الأرض تبكى بتألم
مارك يدخل إلى الخشبة باندفاع ويسقط
سلفيا تقوم مسرعة وتجلس بجواره

سلفيا: عزيزى.. ماذا بك؟
مارك: الأغبياء يطاردوننى.. يريدون قتلى.. لم يتقبلوا فكرة عدم كون فاتيا إلهة.. اتهمونى بالجنون.. طالبونى بالسكوت وحين ثرت عليهم أرادوا قتلى
سلفيا: مارك.. فلنرحل من هنا.. إنهم لا يستحقون حتى موتك من أجلهم
مارك: عزيزتى.. فات الأوان.. لم يبق لى مكان فى تلك الدنيا.. يبدو أننى ولدت خطأ فى هذا الزمان
مارك يقف ويقيم سلفيا من جلستها.. يخلع عن رقبته سلسلة ويقبلها.. يفتح يدى سلفيا
مارك: احفظيها وتذكرينى
مارك يضم سلفيا ويقبلها ويخرج
سلفيا: مارك.. عد إلى حبيبى.. مارك.. حبيبى
سلفيا تنهار على خشبة المسرح وهى تبكى بشدة
ظـــــــلام
المشهد الخامس
موسيقى.. صرخات.. صوت انهيار
جسد مارك مسجى على الأرض ممزق الثياب.. غلرق بدماءه
الكاهن ومساعده يقفان وعلى وجهيهما ترتسم آيات الفزع الشديد
سلفيا تجلس بجوار مارك تبكى
أصوات كروان وأنغام ناى حزين ترتفع
راوى: الصورة على حالتها تلك.. تمثال منهار.. صدمة تهز وجدان الناس.. كروان يشدو وعلى أنغامه يرتفع موال حزين.. موال يحكى رواية فاتيا..
موال فلسفة الحياة.. الحب.. فلسفة أموات
ستــــــــــار